الوطن الآن
لقد عرف المغرب شوارع المظاهرات السياسية، وعرف شوارع الاحتجاج الاجتماعي، وعرف شوارع شرطة القرب السيئة الذكر، ويعرف الآن شوارع العمل الجنسي العلني.. وغدا ربما يتحول الشارع إلى مقبرة تعانق فيها جثة المومس جثة المخبر أو الشرطي ، ليس غريبا أن نسمع أن الدار البيضاء ومراكش وأكادير أصبحت تنافس المدن العالمية العريقة في صناعة الجنس كبوغوتا وبرازيليا وبانكوك.. المدن المذكورة بدل أن تكون مجالا مفتوحا للتطور الحضري والعمراني وقاطرة للاقتصاد الوطني وموقعا مغريا للاستثمارات الوطنية والعالمية، انزاحت عن وظائفها الحيوية وتحولت إلى ماخور واسع، حتى أرقى شوارع المدن أصبحت مشاتل وقواعد محصنة للعاهرات والشواذ والجنس الثالث travesti تحت حماية أمنية مشروطة ومدفوعة الأجر!!
حكمة القرود الثلاثة
ولعل أحداث الاصطدام الدموي بين بائعات الهوى ورجال الأمن بشارع أنفا بالدار البيضاء يوم الاثنين19 نونبر2007 مؤشر قوي على النفوذ الواسع لهذه «الكائنات الليلية» التي حولت أجمل وأرقى وأغنى شوارع الدار الدار البيضاء إلى معرض للأجساد العارية ورصيف حالك لـ «اللحم الرخيص».
هذه الواقعة كشفت أن هناك أعطابا حقيقية في جعل الواجهات المجالية الحضرية لمدينة الدار البيضاء رافعة للتنافس مع كبريات الحواضر العالمية، وهذه هي الغاية التي دفعت بتعيين محمد القباج واليا على جهة الدار البيضاء من أجل وضع خبرته العلمية في الهندسة والضرب والقسمة وقياسات الطول والعرض والارتفاع لتحويل هذه المدينة إلى قطب حضري واستثماري بامتياز. لكن يبدو أن حسابات الوالي القباج كانت خادعة، وخطته لوضع مدينة الدار البيضاء في مصاف المدن العالمية كانت فكرة مجنونة، لعدة اعتبارات، منها غياب الإرادة السياسية، وتواطؤ بعض البوليس بتوفير الغطاء الأمني لبائعات الهوى مقابل التنازل عن وظيفة حماية المجالات الحضرية من «الدخلاء» و»الدخيلات»، هو دليل ساطع على أن مدينة الدار البيضاء ليس لها رب يحميها. فجهاز الأمن الوطني الذي وهب شرايين الدار البيضاء لتلتهمها «أبقار شاردة» ينبغي أن يقدم مسؤولوه استقالتهم. وهم لم يهبوا فقط شوارع الدار البيضاء الراقية التي استنزف تلميع واجهاتها الملايين من الدراهم، بل وضع عدد منهم سلاحهم وبزاتهم رمز السيادة وخبراتهم لخدمة بائعات الهوى، وتحولوا إلى «فيدورات» ودروع بشرية لتلويث طهارة المدن.. والمواجهة الدامية التي كان شارع أنفا (من يصدق هذا الخبر؟!) مسرحا لها كانت بداية لنهاية «التعايش» بين بنات الليل ورجال البوليس، وهو «تعايش» كما سبقت الإشارة إلى ذلك مدفوع الأجر، وإلا ما الذي دفع المصالح الأمنية إلى نهج حكمة القرود الثلاثة (لا أسمع ولا أرى ولا أتكلم) طوال هذه المدة، حتى تحول شارع أنفا والشوارع المجاورة والمتقاطعة منه ( المسيرة الخضراء، الزرقطوني، مولاي يوسف، مولاي رشيد، الراشيدي، الحسن الثاني...) إلى أكثر أرصفة الدار البيضاء تلوثا وفسادا وعفنا؟ ما الذي جعل ضمير الشرطة يستيقظ اليوم بعد سنوات من السبات لتعلن حربا تطهيرية في شوارع البيضاء؟ لماذا اختارت بائعات الهوى المواجهة المباشرة مع رجال الأمن ولم تهرب كفئران مذعورة؟ أليس من يختار المواجهة المباشرة هو صاحب حق مشروع؟ فمن هو المعتدي في هذه الحالة بائعات الهوى اللواتي يدافعن عن قمع غريزة البقاء أم رجال البوليس؟
إن هذا الانزياح للخريطة الجنسية بالبيضاء هو انزياح خطير أصاب في مقتل الشرايين الاقتصادية لإحدى أكبر مدن إفريقيا، ونقصد أرصفة شوارع الدار البيضاء الراقية التي تحولت إلى «محميات» للجنس.
محميات الجنس
فشارع أنفا الذي انطلقت منه شرارة هذه المواجهات كان «ماكيط» لصورة مدينة الدار البيضاء المستقبلية، وقد صُرف على هذا «الماكيط» ملياران و800 مليون، وتم استدعاء خيرة المهندسين ومن بينهم المهندس المغربي رشيد لهاوش الذي كان من ضمن الطاقم الذي أشرف على تخطيط هندسة نفق المانش. فلا يعقل بعد كل هذا الغلاف المالي لتلميع واجهة هذا الشارع، وكثرة الاجتماعات والاستعدادات والتحضيرات لوضع أول لبنة لشارع يطابق المعايير والمواصفات العالمية، أن يسقط شارع أنفا هذا السقوط التراجيدي، ويتحول لمعرض للحوم الآدمية بتواطؤ مكشوف مع المصالح الإدارية والاجتماعية والأمنية.
والأنكى من ذلك، أن هذا المقطع من شارع أنفا الذي يشبه قطعة ذهب وسط سلسلة من «الجالوق»، ليس سوى تمرين سابق عن مشروع ضخم وقعت عليه المصالح التقنية المختصة بجهة الدار البيضاء بحضور الملك يستهدف ترميم أكبر شوارع الدار البيضاء (أنفا، المسيرة الخضراء، الزرقطوني، عبد اللطيف بنقدور، والأزقة المتفرعة عنها) بغلاف مالي يقدر ب15 مليار سنتيم.
ولا تعاني شوارع الدار البيضاء فقط من هذا «الغزو»، بل معظم شوارع المدن الراقية بالرباط وتطوان وطنجة ومراكش وأكادير وفاس وغيرها، تحولت أرصفتها إلى «مختبرات» للجنس في الليل، غابات من السيقان والنهود النافرة نصف العارية والمؤخرات المكعبة والمستطيلة والمربعة معروضة للبيع أسفل فنادق ومراكز تجارية وواجهات أبناك وصالونات الحلاقة ومخافر الشرطة. وبذلك نجحت شبكات الدعارة إلى حد كبير في تغيير وظيفة الشارع التي لم تعد تعني تأمين انسياب المرور والتواصل وتنشيط الحركة الاقتصادية والعمرانية . فنظرية التأهيل الحضري أصبحت لوحا محفوظا تبول عليه هذه «المسوخ»، وأسطوانة مشروخة من فرط سماعها.
إن الحرب الأهلية التي حدثت بشارع أنفا بين مافيا الدعارة ومافيا البوليس لا يمكن أن تكون حدثا عابرا يمكن السكوت عنه، بل تُبِين عن انحلال في سلم القيم والأخلاق، وسخرية من وظيفة الأمن التي تساهلت في حراسة قلب مدينة الدار البيضاء من هذا «الاجتياح»، وتدنيس خطير لطهارة شارع أنفا وروافده. فهل يعقل أن الشارع الذي يصل فيه ثمن المتر المربع إلى10 ملايين سنتيم (شارع المسيرة الخضراء) و5 ملايين سنتيم (شارع أنفا) يعيش جحيما يوميا؟ هل يعقل أن يتحول ليل هذه الشوارع إلى جحيم و»محميات» لمعامل الجنس يحتكرها الشواذ والعاهرات؟
لقد تحول الشارع، فعلا، إلى مصنع لتفريخ مزيد من المومسات والمتحولين جنسيا والمثليين، وباتت مهنة «القوادة» منظمة أكثر من غيرها من المهن المرتبطة بالشارع، وأصبح لها حكامها و»مخالبها» التي قد تطيح بأي «نزيه» يطمح إلى إنجاح مساره المهني بإرادة تطهير الشارع من مخلوقاته الليلية.
من شارع إلى شارع
لقد عرف المغرب شوارع المظاهرات السياسية، وعرف شوارع الاحتجاج الاجتماعي، وعرف شوارع شرطة القرب السيئة الذكر، ويعرف الآن شوارع العمل الجنسي العلني.. وغدا ربما يتحول الشارع إلى مقبرة تعانق فيها جثة المومس جثة المخبر أو الشرطي ، ليس غريبا أن نسمع أن الدار البيضاء ومراكش وأكادير أصبحت تنافس المدن العالمية العريقة في صناعة الجنس كبوغوتا وبرازيليا وبانكوك.. المدن المذكورة بدل أن تكون مجالا مفتوحا للتطور الحضري والعمراني وقاطرة للاقتصاد الوطني وموقعا مغريا للاستثمارات الوطنية والعالمية، انزاحت عن وظائفها الحيوية وتحولت إلى ماخور واسع، حتى أرقى شوارع المدن أصبحت مشاتل وقواعد محصنة للعاهرات والشواذ والجنس الثالث travesti تحت حماية أمنية مشروطة ومدفوعة الأجر!!
حكمة القرود الثلاثة
ولعل أحداث الاصطدام الدموي بين بائعات الهوى ورجال الأمن بشارع أنفا بالدار البيضاء يوم الاثنين19 نونبر2007 مؤشر قوي على النفوذ الواسع لهذه «الكائنات الليلية» التي حولت أجمل وأرقى وأغنى شوارع الدار الدار البيضاء إلى معرض للأجساد العارية ورصيف حالك لـ «اللحم الرخيص».
هذه الواقعة كشفت أن هناك أعطابا حقيقية في جعل الواجهات المجالية الحضرية لمدينة الدار البيضاء رافعة للتنافس مع كبريات الحواضر العالمية، وهذه هي الغاية التي دفعت بتعيين محمد القباج واليا على جهة الدار البيضاء من أجل وضع خبرته العلمية في الهندسة والضرب والقسمة وقياسات الطول والعرض والارتفاع لتحويل هذه المدينة إلى قطب حضري واستثماري بامتياز. لكن يبدو أن حسابات الوالي القباج كانت خادعة، وخطته لوضع مدينة الدار البيضاء في مصاف المدن العالمية كانت فكرة مجنونة، لعدة اعتبارات، منها غياب الإرادة السياسية، وتواطؤ بعض البوليس بتوفير الغطاء الأمني لبائعات الهوى مقابل التنازل عن وظيفة حماية المجالات الحضرية من «الدخلاء» و»الدخيلات»، هو دليل ساطع على أن مدينة الدار البيضاء ليس لها رب يحميها. فجهاز الأمن الوطني الذي وهب شرايين الدار البيضاء لتلتهمها «أبقار شاردة» ينبغي أن يقدم مسؤولوه استقالتهم. وهم لم يهبوا فقط شوارع الدار البيضاء الراقية التي استنزف تلميع واجهاتها الملايين من الدراهم، بل وضع عدد منهم سلاحهم وبزاتهم رمز السيادة وخبراتهم لخدمة بائعات الهوى، وتحولوا إلى «فيدورات» ودروع بشرية لتلويث طهارة المدن.. والمواجهة الدامية التي كان شارع أنفا (من يصدق هذا الخبر؟!) مسرحا لها كانت بداية لنهاية «التعايش» بين بنات الليل ورجال البوليس، وهو «تعايش» كما سبقت الإشارة إلى ذلك مدفوع الأجر، وإلا ما الذي دفع المصالح الأمنية إلى نهج حكمة القرود الثلاثة (لا أسمع ولا أرى ولا أتكلم) طوال هذه المدة، حتى تحول شارع أنفا والشوارع المجاورة والمتقاطعة منه ( المسيرة الخضراء، الزرقطوني، مولاي يوسف، مولاي رشيد، الراشيدي، الحسن الثاني...) إلى أكثر أرصفة الدار البيضاء تلوثا وفسادا وعفنا؟ ما الذي جعل ضمير الشرطة يستيقظ اليوم بعد سنوات من السبات لتعلن حربا تطهيرية في شوارع البيضاء؟ لماذا اختارت بائعات الهوى المواجهة المباشرة مع رجال الأمن ولم تهرب كفئران مذعورة؟ أليس من يختار المواجهة المباشرة هو صاحب حق مشروع؟ فمن هو المعتدي في هذه الحالة بائعات الهوى اللواتي يدافعن عن قمع غريزة البقاء أم رجال البوليس؟
إن هذا الانزياح للخريطة الجنسية بالبيضاء هو انزياح خطير أصاب في مقتل الشرايين الاقتصادية لإحدى أكبر مدن إفريقيا، ونقصد أرصفة شوارع الدار البيضاء الراقية التي تحولت إلى «محميات» للجنس.
محميات الجنس
فشارع أنفا الذي انطلقت منه شرارة هذه المواجهات كان «ماكيط» لصورة مدينة الدار البيضاء المستقبلية، وقد صُرف على هذا «الماكيط» ملياران و800 مليون، وتم استدعاء خيرة المهندسين ومن بينهم المهندس المغربي رشيد لهاوش الذي كان من ضمن الطاقم الذي أشرف على تخطيط هندسة نفق المانش. فلا يعقل بعد كل هذا الغلاف المالي لتلميع واجهة هذا الشارع، وكثرة الاجتماعات والاستعدادات والتحضيرات لوضع أول لبنة لشارع يطابق المعايير والمواصفات العالمية، أن يسقط شارع أنفا هذا السقوط التراجيدي، ويتحول لمعرض للحوم الآدمية بتواطؤ مكشوف مع المصالح الإدارية والاجتماعية والأمنية.
والأنكى من ذلك، أن هذا المقطع من شارع أنفا الذي يشبه قطعة ذهب وسط سلسلة من «الجالوق»، ليس سوى تمرين سابق عن مشروع ضخم وقعت عليه المصالح التقنية المختصة بجهة الدار البيضاء بحضور الملك يستهدف ترميم أكبر شوارع الدار البيضاء (أنفا، المسيرة الخضراء، الزرقطوني، عبد اللطيف بنقدور، والأزقة المتفرعة عنها) بغلاف مالي يقدر ب15 مليار سنتيم.
ولا تعاني شوارع الدار البيضاء فقط من هذا «الغزو»، بل معظم شوارع المدن الراقية بالرباط وتطوان وطنجة ومراكش وأكادير وفاس وغيرها، تحولت أرصفتها إلى «مختبرات» للجنس في الليل، غابات من السيقان والنهود النافرة نصف العارية والمؤخرات المكعبة والمستطيلة والمربعة معروضة للبيع أسفل فنادق ومراكز تجارية وواجهات أبناك وصالونات الحلاقة ومخافر الشرطة. وبذلك نجحت شبكات الدعارة إلى حد كبير في تغيير وظيفة الشارع التي لم تعد تعني تأمين انسياب المرور والتواصل وتنشيط الحركة الاقتصادية والعمرانية . فنظرية التأهيل الحضري أصبحت لوحا محفوظا تبول عليه هذه «المسوخ»، وأسطوانة مشروخة من فرط سماعها.
إن الحرب الأهلية التي حدثت بشارع أنفا بين مافيا الدعارة ومافيا البوليس لا يمكن أن تكون حدثا عابرا يمكن السكوت عنه، بل تُبِين عن انحلال في سلم القيم والأخلاق، وسخرية من وظيفة الأمن التي تساهلت في حراسة قلب مدينة الدار البيضاء من هذا «الاجتياح»، وتدنيس خطير لطهارة شارع أنفا وروافده. فهل يعقل أن الشارع الذي يصل فيه ثمن المتر المربع إلى10 ملايين سنتيم (شارع المسيرة الخضراء) و5 ملايين سنتيم (شارع أنفا) يعيش جحيما يوميا؟ هل يعقل أن يتحول ليل هذه الشوارع إلى جحيم و»محميات» لمعامل الجنس يحتكرها الشواذ والعاهرات؟
لقد تحول الشارع، فعلا، إلى مصنع لتفريخ مزيد من المومسات والمتحولين جنسيا والمثليين، وباتت مهنة «القوادة» منظمة أكثر من غيرها من المهن المرتبطة بالشارع، وأصبح لها حكامها و»مخالبها» التي قد تطيح بأي «نزيه» يطمح إلى إنجاح مساره المهني بإرادة تطهير الشارع من مخلوقاته الليلية.
من شارع إلى شارع
فلم
يسبق للشارع المغربي- حتى وإن كان لا يخلو، في أي وقت من الأوقات، من
العاملات والعمال الجنسييين- أن تخلى عن الشراكات الخفية بين السلطة
وسماسرة الجنس، لأسباب مرتبطة، أحيانا، بالاستعلام وتجميع المعلومات وتعقب
المشبوهين..إلخ، لكن التخفي تحول إلى تجلي، وبات العاملون الجنسيون لا
يتورعون في الدخول في مواجهات عارية، لفظية وجسدية، مع ممثلي السلطة. وهو
ما يؤشر على تبادل في الأدوار وتحول في العلاقات.. إلى درجة أصبحت معها كفة
السماسرة هي الراجحة. فلا يستطيع رجل السلطة أمام هذا التحول المصيري إلا
الانكماش أو البحث عن التسويات المريحة خارج الجزاء والعقاب.
لقد عرف المغرب شوارع المظاهرات السياسية، وعرف شوارع الاحتجاج الاجتماعي، وعرف شوارع شرطة القرب السيئة الذكر، ويعرف الآن شوارع العمل الجنسي العلني.. وغدا ربما يتحول الشارع إلى مقبرة تعانق فيها جثة المومس جثة المخبر أو الشرطي!
أبو بكر حركات، معالج نفسي:
شبكات الدعارة قطاع مدر للأرباح على البوليس
* ما هي قراءتك لظاهرة احتلال شوارع المدن الكبرى من طرف شبكات الدعارة؟
** إذا تحدثنا عن ظاهرة الدعارة كمهنة، فيمكن اعتبارها أقدم مهنة في التاريخ. بغض النظر عن الأسباب النفسية والاجتماعية . النساء اللواتي يحتلن الشوارع يفضلن الشوارع الراقية المكتظة بالمارة والمراكز التجارية على الشوارع القاحلة والطرق السيارة. فشوارع مثل المسيرة الخضراء وأنفا شوارع تجد فيها ممارسات الدعارة أماكن مثالية للاختباء فيها، كالأشجار والعمارات. فهذة الشوارع بحكم تهيئتها العمرانية ومراكزها التجارية واكتظاظها بالمارة يمكن أن تقضي فيها الممتهنات للدعارة مآربهن على عدة مستويات.
* لكن المثير في هذه الظاهرة هو وجود «شفرة/code» بين ما يصطلح عليه بـ «محتلات الشوارع» وبين بعض رجال البوليس الذي تخلوا عن وظيفتهم الأساسية، وهي تحرير الشوارع وضمان الأمن العام، وتحولوا إلى «فيدورات».
** هذا التواطؤ في حد ذاته ليست ظاهرة جديدة.. فالمعروف أن معظم شبكات الدعارة بالدول الديمقراطية تشتغل بوجه أو آخر مع أجهزة الأمن، ويوظف بعض أعضائها كمرشدين لرجال الأمن. على مستوى المغرب يمكن القول إن هناك تواطؤا مصلحيا.. وهذا التفاهم بين شبكات الدعارة والبوليس لا يقتصر على المغرب فقط، بل حتى في فرنسا وقعت العديد من الاشتباكات، خاصة أن العديد من المفتشين التابعين لـ (RG) كانوا يتقاضون أتاوات من شبكات الدعارة. في حالة المغرب هذه الأتاوات التي يتقاضاها بعض البوليس تشبه الضرائب التي يسلبونها من الباعة المتجولين، فكل «محتل» لرصيف أو ملك عمومي من واجبه أن يؤدي المقابل عن هذا الاحتلال.
* الملاحظ أن ظاهرة احتلال شبكات الدعارة للشوارع لم تعد مقتصرة على الدار البيضاء بل امتدت إلى مدن أخرى، وهذا ما يثير نوعا من المفارقة، إذ أن السلطات العمومية تقود مشروعا استنزف الملايير للتأهيل الحضري وسط هذه المدن الكبرى: تطوان، وجدة، طنجة، الدار البيضاء...إلخ . لكن هذا المشروع لا تواكبه متابعة دقيقة
** التأهيل الحضري للمدن الكبرى يستدعي في الحقيقة إرادة سياسية وإرادة اقتصادية. إذ أن تهيئة شارع يقتضي إيجاد حل لظاهرة الباعة المتجولين من خلال إيوائهم داخل أسواق نموذجية. بالنسبة للدعارة لا مفر للسلطات العمومية من إخلاء الشوارع من ممتهنات الدعارة، لكن في الوقت نفسه ينبغي عليها التفكير في إيجاد مصدر رزق لهذه الشريحة الواسعة من النساء، والتي تقدر بالآلاف وليست المئات، مع العلم أن أغلب البحوث الاجتماعية تفيد أن الأغلبية الساحقة لمحترفات الدعارة يجبرن على ممارسة هذه المهنة بسبب قساوة الظروف الاجتماعية، أما محترفات الدعارة الراقية فيتقاضين5000 و6000 درهم كحد أدنى في الشهر، بالإضافة إلى حصولهن على امتيازات أخرى دون أدنى عناء.
* لماذا لا نقلد مثلا تجارب أوربية رائدة حاولت تنظيم وتقنين ظاهرة الدعارة حتى نسد الباب أمام أي نوع من التواطؤات؟
** لا يعقل في دولة عربية شعارها هو الإسلام أن تحاول تقنين ظاهرة الدعارة. فرنسا مثلا رغم أنها دولة ديمقراطية فإنها لا تخلو من التواطؤات، إذ أن طبيعة المهنة تسمح بذلك. ربما هذا المشكل ليس مطروحا بهذه الحدة في الدول الإسكندنافية، فالجسد غير محرر والعقل محرر، على العكس من فرنسا التي ما زالت محكومة بتأثيرات حوض البحر الأبيض المتوسط. تقنين ظاهرة الدعارة في المغرب يشترط بلوغنا درجة كبيرة من الرقي. سأعطيك مثالا حيا، دولة النرويج دولة مصدرة للنفط، لكن عائدات النفط تدخرها في صندوق مستقل عن الميزانية العامة للدولة تخصصه للأجيال القادمة. فلما يبلغ المغرب درجة رقي النرويج آنذاك يمكن أن نتحدث عن تنظيم ظاهرة الدعارة.
* معنى حديثك أن المغاربة لا في الدار البيضاء أو في المدن الأخرى سيظلون يعيشون تحت رحمة استقالة الدولة واستقالة الأجهزة الأمنية؟
** اهتمام البوليس بتقوية علاقاته مع شبكات الدعارة راجع إلى أن هذا القطاع مدر للربح سواء على مستوى توظيف عناصر هذه الشبكات في التزود بالمعلومات أو في دفع الأتاوات، فلا تنتظر من النشال أن يتقاسم مع البوليس الأرباح. هؤلاء النساء يقدمن خدمة للمجتمع بشكل أو بآخر، وإلا سيرتمين في أحضان الجريمة. الرغبة الجنسية طاقة إذا لم تفرغ عن طريق الجنس يمكن أن تفرغ عن طريق العنف والاكتئاب والاضطراب النفسي.
شارع لكل مومس!
لكل مومس شارعها، ولكل شارع رب يحميه! فهناك مومسات يشبهن، إلى حد بعيد، مومس باولو كويلو (الكاتب البرازيلي) في روايته «إحدى عشر دقيقة». فالمومس «ماريا»، لا ترتاد إلا الشواع الغنية التي يقصدها رجال الأعمال، وأصحاب المراكز الحساسة الذين بإمكانهم أن يحركوا العالم من حولهم بأطراف أناملهم. وهناك أيضا اللواتي يشبهن المومس العمياء التي يعربد على جسدها أي كان، حتى وإن كان أجرب أو معاق!
ولذلك، فالشوارع صنفان:
صنف يلجأ إليه الأغنياء وأصحاب السيارات، من قبيل شارع المسيرة الخضراء والجيش الملكي والزرقطوني وغاندي وأنفا وبوردو وعين الذئاب بالبيضاء. وهؤلاء يبحثون عن فتيات جميلات ونظيفات، يدركن ما معنى الإيتيكيت، ويتحدثن باللغات الأجنبية!
والصنف الثاني يرتاده أصحاب الدخل المحدود. فمثلا، شارع محمد الخامس، الذي كان أشهر من نار على علم، فقد بريقه الماضي وجاذبيته القديمة، وهجرته المومسات المصنفات لصالح مومسات الدرجة العاشرة، وهن في الغالب من «عاملات الموقف» المتعددات الاستعمال، أو من النساء اللواتي سرقهن العمر وانطفأ جمالهن وترهلت أجسادهن، أو الفتيات الذميمات و»البلديات» والفقيرات اللواتي يكتفين بجلبات رث أو سروال جينز فاضح.
ولا يتوقف الأمر عند مركز المدينة، فالعاملات الجنسيات استعمرن جميع الشوارع، شارع أبو ذر الغفاري بالبرنوصي، وشارع الحزام الكبير وإدريس الحارثي ومولاي اسماعيل والجولان و10 مارس والفداء وأفغانستان وباحماد وبئر أنزران والقوات المساعدة..إلخ. ولا يبدو أن تلك العاملات مستعدات للتخلي عن مستعمراتهن مادام الزبناء يتكاثرون ويدفعون المقابل، وهن غير منزعجات من زميلاتهن بالشوارع الغنية. فقط هن لا يسمحن للطارئات بمزاحمتهن على الزبائن، وخاصة إذا كانت الفتاة الطارئة جميلة أو من بنات المدارس.
وإذا كانت الشوارع الغنية محروسة ومحمية ومنظمة، فإن الشوارع الفقيرة، أيضا، تتمتع بنفس المواصفات. غير أن الثمن المخول للحراسة بها أقل بكثير من الأخرى. حيث ما إن تنتهى الحملة الأمنية حتى تعود المومسات إلى مواقعهن، وكأن لا شيء وقع! فهن ينمن ويدفعن، وأحيانا، يدخلن في حركة احتجاجية ترتعد لها فرائص بعض المتواطئين من رجال الشرطة. فكل شيء منتظر ومباح إلا احتجاج المومسات، لأن في احتجاجهن سقوط الوجوه والأقنعة.
سخاء القوادين وصمت الشرطة!
ملاقاة المومسات في أهم شوارع المدن الكبرى (الدار البيضاء، طنجة، مراكش، الرباط، فاس، أكادير، سلا، مكناس...)، أصبح أمرا اعتياديا، لا يكاد يثير حفيظة العابرين اللهم الحالمون بالمدينة الفاضلة. فقد حولوها إلى «مستعمرة»، لها قوانينها ومقيمها العام وجنودها وحراسها ومخبروها وتجارها وزبائنها وسماسرتها وفضاءاتها الخاصة.
وتتمتع تلك الشوارع بنظام حراسة خاص لا يدركه إلا الراسخون في إنتاج اللحم الآدمي الطازج، حيث تحولت، بفعل العناية، إلى مشتل خصب لإنتاج كل أنواع المومسات، المحترفات والهاويات، خاصة من تلميذات الثانويات وبنات المانيفاكتورات والهاربات من التفكك الأسري أو الفقر الضاحوي، وبكل الأحجام والأشكال (النحيفة، البدينة، الممتلئة، الطويلة، القصيرة، السمراء، السوداء، البيضاء)، وأغلب هؤلاء المومسات (أو العاملات الجنسيات) لسن، في الغالب، سوى دمى متحركة بأيدي سماسرة الجنس الذين استطاعوا «تطبيع» العلاقات مع بعض رجال الشرطة، خاصة من ذوي النفوذ، الذين باتوا محط اتهام وتساؤلات مقلقة لدرجة أن «راديو المدينة» أضحى يطرح التساؤل التالي: هل يتلقون بسخاء نسبا مائوية من الأرباح مقابل الصمت وغض الطرف وإطلاق صفارات الإنذار أثناء تنظيم الحملات الأمنية؟
ولأن الشراكة بين بعض رجال الأمن والقوادين أمتن من أن تنال منها الحملات الأمنية، فإنها سمحت لهؤلاء باجتياز اختبار القوة بنجاح، ومكنت السماسرة من بسط السيطرة الكاملة على الشارع، حيث أصبح كل قرار يرمي إلى إزالتهم من الشارع محكوم بالبطلان.
ليس هذا فحسب، فالشارع يفضي إلى مسالك وفضاءت أخرى أصبحت بدورها تحت سيطرة القوادين، مثل بعض الفنادق الرثة (المنسية) التي تستقبل زبائن «الباص» (تحت الحراسة المشددة لبعض رجال الأمن!) وبعض المقاهي التي تشكل أٍرضية خصبة للقاءات، وتهيئ السهرات الخاصة ،إضافة ببعض الشقق المفروشة (أو مابت يطلق عليه «الفوكاريم» الجنسي!).
وإذا كان الشارع قد تحول إلى فضاء جنسي شامل (ليلا)، السؤال الذي ينبغي أن نطرحه، هل رفع المسؤولون عن تطهير الشارع وتأمينه «الراية البيضاء»؟ لقد بادر عمدة إحدى المدن الإيطالية (...) إلى توزيع آلات تصوير «كاميرات» رقمية على رجال الشرطة وأمرهم بتصوير أي سيارات يرون أصحابها يتوقفون للتبضع الجنسي على جوانب الطرق، في أفق نشر أرقام لوحات تلك السيارت في الصحف المحلية ليشعر أصحابها بالخزي فيمتنعوا عن ملاقاة بائعات الهوى. فكم من كاميرا تابعة للشرطة المغربية معلقة في الشوارع، ورغم ذلك، فإن عدد بائعات الهوى في شوارعنا يرتفع ويتضخم بشكل دائم، وهن الآن من يضعن الشروط ويصنعن القوانين!
لقد عرف المغرب شوارع المظاهرات السياسية، وعرف شوارع الاحتجاج الاجتماعي، وعرف شوارع شرطة القرب السيئة الذكر، ويعرف الآن شوارع العمل الجنسي العلني.. وغدا ربما يتحول الشارع إلى مقبرة تعانق فيها جثة المومس جثة المخبر أو الشرطي!
أبو بكر حركات، معالج نفسي:
شبكات الدعارة قطاع مدر للأرباح على البوليس
* ما هي قراءتك لظاهرة احتلال شوارع المدن الكبرى من طرف شبكات الدعارة؟
** إذا تحدثنا عن ظاهرة الدعارة كمهنة، فيمكن اعتبارها أقدم مهنة في التاريخ. بغض النظر عن الأسباب النفسية والاجتماعية . النساء اللواتي يحتلن الشوارع يفضلن الشوارع الراقية المكتظة بالمارة والمراكز التجارية على الشوارع القاحلة والطرق السيارة. فشوارع مثل المسيرة الخضراء وأنفا شوارع تجد فيها ممارسات الدعارة أماكن مثالية للاختباء فيها، كالأشجار والعمارات. فهذة الشوارع بحكم تهيئتها العمرانية ومراكزها التجارية واكتظاظها بالمارة يمكن أن تقضي فيها الممتهنات للدعارة مآربهن على عدة مستويات.
* لكن المثير في هذه الظاهرة هو وجود «شفرة/code» بين ما يصطلح عليه بـ «محتلات الشوارع» وبين بعض رجال البوليس الذي تخلوا عن وظيفتهم الأساسية، وهي تحرير الشوارع وضمان الأمن العام، وتحولوا إلى «فيدورات».
** هذا التواطؤ في حد ذاته ليست ظاهرة جديدة.. فالمعروف أن معظم شبكات الدعارة بالدول الديمقراطية تشتغل بوجه أو آخر مع أجهزة الأمن، ويوظف بعض أعضائها كمرشدين لرجال الأمن. على مستوى المغرب يمكن القول إن هناك تواطؤا مصلحيا.. وهذا التفاهم بين شبكات الدعارة والبوليس لا يقتصر على المغرب فقط، بل حتى في فرنسا وقعت العديد من الاشتباكات، خاصة أن العديد من المفتشين التابعين لـ (RG) كانوا يتقاضون أتاوات من شبكات الدعارة. في حالة المغرب هذه الأتاوات التي يتقاضاها بعض البوليس تشبه الضرائب التي يسلبونها من الباعة المتجولين، فكل «محتل» لرصيف أو ملك عمومي من واجبه أن يؤدي المقابل عن هذا الاحتلال.
* الملاحظ أن ظاهرة احتلال شبكات الدعارة للشوارع لم تعد مقتصرة على الدار البيضاء بل امتدت إلى مدن أخرى، وهذا ما يثير نوعا من المفارقة، إذ أن السلطات العمومية تقود مشروعا استنزف الملايير للتأهيل الحضري وسط هذه المدن الكبرى: تطوان، وجدة، طنجة، الدار البيضاء...إلخ . لكن هذا المشروع لا تواكبه متابعة دقيقة
** التأهيل الحضري للمدن الكبرى يستدعي في الحقيقة إرادة سياسية وإرادة اقتصادية. إذ أن تهيئة شارع يقتضي إيجاد حل لظاهرة الباعة المتجولين من خلال إيوائهم داخل أسواق نموذجية. بالنسبة للدعارة لا مفر للسلطات العمومية من إخلاء الشوارع من ممتهنات الدعارة، لكن في الوقت نفسه ينبغي عليها التفكير في إيجاد مصدر رزق لهذه الشريحة الواسعة من النساء، والتي تقدر بالآلاف وليست المئات، مع العلم أن أغلب البحوث الاجتماعية تفيد أن الأغلبية الساحقة لمحترفات الدعارة يجبرن على ممارسة هذه المهنة بسبب قساوة الظروف الاجتماعية، أما محترفات الدعارة الراقية فيتقاضين5000 و6000 درهم كحد أدنى في الشهر، بالإضافة إلى حصولهن على امتيازات أخرى دون أدنى عناء.
* لماذا لا نقلد مثلا تجارب أوربية رائدة حاولت تنظيم وتقنين ظاهرة الدعارة حتى نسد الباب أمام أي نوع من التواطؤات؟
** لا يعقل في دولة عربية شعارها هو الإسلام أن تحاول تقنين ظاهرة الدعارة. فرنسا مثلا رغم أنها دولة ديمقراطية فإنها لا تخلو من التواطؤات، إذ أن طبيعة المهنة تسمح بذلك. ربما هذا المشكل ليس مطروحا بهذه الحدة في الدول الإسكندنافية، فالجسد غير محرر والعقل محرر، على العكس من فرنسا التي ما زالت محكومة بتأثيرات حوض البحر الأبيض المتوسط. تقنين ظاهرة الدعارة في المغرب يشترط بلوغنا درجة كبيرة من الرقي. سأعطيك مثالا حيا، دولة النرويج دولة مصدرة للنفط، لكن عائدات النفط تدخرها في صندوق مستقل عن الميزانية العامة للدولة تخصصه للأجيال القادمة. فلما يبلغ المغرب درجة رقي النرويج آنذاك يمكن أن نتحدث عن تنظيم ظاهرة الدعارة.
* معنى حديثك أن المغاربة لا في الدار البيضاء أو في المدن الأخرى سيظلون يعيشون تحت رحمة استقالة الدولة واستقالة الأجهزة الأمنية؟
** اهتمام البوليس بتقوية علاقاته مع شبكات الدعارة راجع إلى أن هذا القطاع مدر للربح سواء على مستوى توظيف عناصر هذه الشبكات في التزود بالمعلومات أو في دفع الأتاوات، فلا تنتظر من النشال أن يتقاسم مع البوليس الأرباح. هؤلاء النساء يقدمن خدمة للمجتمع بشكل أو بآخر، وإلا سيرتمين في أحضان الجريمة. الرغبة الجنسية طاقة إذا لم تفرغ عن طريق الجنس يمكن أن تفرغ عن طريق العنف والاكتئاب والاضطراب النفسي.
شارع لكل مومس!
لكل مومس شارعها، ولكل شارع رب يحميه! فهناك مومسات يشبهن، إلى حد بعيد، مومس باولو كويلو (الكاتب البرازيلي) في روايته «إحدى عشر دقيقة». فالمومس «ماريا»، لا ترتاد إلا الشواع الغنية التي يقصدها رجال الأعمال، وأصحاب المراكز الحساسة الذين بإمكانهم أن يحركوا العالم من حولهم بأطراف أناملهم. وهناك أيضا اللواتي يشبهن المومس العمياء التي يعربد على جسدها أي كان، حتى وإن كان أجرب أو معاق!
ولذلك، فالشوارع صنفان:
صنف يلجأ إليه الأغنياء وأصحاب السيارات، من قبيل شارع المسيرة الخضراء والجيش الملكي والزرقطوني وغاندي وأنفا وبوردو وعين الذئاب بالبيضاء. وهؤلاء يبحثون عن فتيات جميلات ونظيفات، يدركن ما معنى الإيتيكيت، ويتحدثن باللغات الأجنبية!
والصنف الثاني يرتاده أصحاب الدخل المحدود. فمثلا، شارع محمد الخامس، الذي كان أشهر من نار على علم، فقد بريقه الماضي وجاذبيته القديمة، وهجرته المومسات المصنفات لصالح مومسات الدرجة العاشرة، وهن في الغالب من «عاملات الموقف» المتعددات الاستعمال، أو من النساء اللواتي سرقهن العمر وانطفأ جمالهن وترهلت أجسادهن، أو الفتيات الذميمات و»البلديات» والفقيرات اللواتي يكتفين بجلبات رث أو سروال جينز فاضح.
ولا يتوقف الأمر عند مركز المدينة، فالعاملات الجنسيات استعمرن جميع الشوارع، شارع أبو ذر الغفاري بالبرنوصي، وشارع الحزام الكبير وإدريس الحارثي ومولاي اسماعيل والجولان و10 مارس والفداء وأفغانستان وباحماد وبئر أنزران والقوات المساعدة..إلخ. ولا يبدو أن تلك العاملات مستعدات للتخلي عن مستعمراتهن مادام الزبناء يتكاثرون ويدفعون المقابل، وهن غير منزعجات من زميلاتهن بالشوارع الغنية. فقط هن لا يسمحن للطارئات بمزاحمتهن على الزبائن، وخاصة إذا كانت الفتاة الطارئة جميلة أو من بنات المدارس.
وإذا كانت الشوارع الغنية محروسة ومحمية ومنظمة، فإن الشوارع الفقيرة، أيضا، تتمتع بنفس المواصفات. غير أن الثمن المخول للحراسة بها أقل بكثير من الأخرى. حيث ما إن تنتهى الحملة الأمنية حتى تعود المومسات إلى مواقعهن، وكأن لا شيء وقع! فهن ينمن ويدفعن، وأحيانا، يدخلن في حركة احتجاجية ترتعد لها فرائص بعض المتواطئين من رجال الشرطة. فكل شيء منتظر ومباح إلا احتجاج المومسات، لأن في احتجاجهن سقوط الوجوه والأقنعة.
سخاء القوادين وصمت الشرطة!
ملاقاة المومسات في أهم شوارع المدن الكبرى (الدار البيضاء، طنجة، مراكش، الرباط، فاس، أكادير، سلا، مكناس...)، أصبح أمرا اعتياديا، لا يكاد يثير حفيظة العابرين اللهم الحالمون بالمدينة الفاضلة. فقد حولوها إلى «مستعمرة»، لها قوانينها ومقيمها العام وجنودها وحراسها ومخبروها وتجارها وزبائنها وسماسرتها وفضاءاتها الخاصة.
وتتمتع تلك الشوارع بنظام حراسة خاص لا يدركه إلا الراسخون في إنتاج اللحم الآدمي الطازج، حيث تحولت، بفعل العناية، إلى مشتل خصب لإنتاج كل أنواع المومسات، المحترفات والهاويات، خاصة من تلميذات الثانويات وبنات المانيفاكتورات والهاربات من التفكك الأسري أو الفقر الضاحوي، وبكل الأحجام والأشكال (النحيفة، البدينة، الممتلئة، الطويلة، القصيرة، السمراء، السوداء، البيضاء)، وأغلب هؤلاء المومسات (أو العاملات الجنسيات) لسن، في الغالب، سوى دمى متحركة بأيدي سماسرة الجنس الذين استطاعوا «تطبيع» العلاقات مع بعض رجال الشرطة، خاصة من ذوي النفوذ، الذين باتوا محط اتهام وتساؤلات مقلقة لدرجة أن «راديو المدينة» أضحى يطرح التساؤل التالي: هل يتلقون بسخاء نسبا مائوية من الأرباح مقابل الصمت وغض الطرف وإطلاق صفارات الإنذار أثناء تنظيم الحملات الأمنية؟
ولأن الشراكة بين بعض رجال الأمن والقوادين أمتن من أن تنال منها الحملات الأمنية، فإنها سمحت لهؤلاء باجتياز اختبار القوة بنجاح، ومكنت السماسرة من بسط السيطرة الكاملة على الشارع، حيث أصبح كل قرار يرمي إلى إزالتهم من الشارع محكوم بالبطلان.
ليس هذا فحسب، فالشارع يفضي إلى مسالك وفضاءت أخرى أصبحت بدورها تحت سيطرة القوادين، مثل بعض الفنادق الرثة (المنسية) التي تستقبل زبائن «الباص» (تحت الحراسة المشددة لبعض رجال الأمن!) وبعض المقاهي التي تشكل أٍرضية خصبة للقاءات، وتهيئ السهرات الخاصة ،إضافة ببعض الشقق المفروشة (أو مابت يطلق عليه «الفوكاريم» الجنسي!).
وإذا كان الشارع قد تحول إلى فضاء جنسي شامل (ليلا)، السؤال الذي ينبغي أن نطرحه، هل رفع المسؤولون عن تطهير الشارع وتأمينه «الراية البيضاء»؟ لقد بادر عمدة إحدى المدن الإيطالية (...) إلى توزيع آلات تصوير «كاميرات» رقمية على رجال الشرطة وأمرهم بتصوير أي سيارات يرون أصحابها يتوقفون للتبضع الجنسي على جوانب الطرق، في أفق نشر أرقام لوحات تلك السيارت في الصحف المحلية ليشعر أصحابها بالخزي فيمتنعوا عن ملاقاة بائعات الهوى. فكم من كاميرا تابعة للشرطة المغربية معلقة في الشوارع، ورغم ذلك، فإن عدد بائعات الهوى في شوارعنا يرتفع ويتضخم بشكل دائم، وهن الآن من يضعن الشروط ويصنعن القوانين!
موقع نقلا عن
looter.blogspot.com
No comments:
Post a Comment